الأحد، 4 نوفمبر 2012

الكل يسبح

 

بسم الله الرحمن الرحيم


عناقيد الشوق غزاها الجفاف فأقحلت وتجمدت...


دائماً ما أذكر نفسي بحقيقة أعتقدها دون شائبةِ شكٍ تعكر صفوها...أنا لست كاتباً ولست بشاعر...أتطفل على الأدب فأمحق جمال بلغاته المرصوصة...أستشعر فأخلق من تُرهات القوافي بحراً تَلبَّدَ بالزَبَد...

إلا أنني أستميت كاتباً لحروفٍ لا تتوقف لحظةً "لتجتر" فترتجع وترتدع...

 

وها أنا أكتب مرةً أخرى...

 

الحديث عن الحياة مُتعب، والعنترة  بفهمها دوماً ما تثير حنقي "القابل للاشتعال"...


كذلك محاولة نَظْمْ إيقاعها بمثالة متكلفة تجعلنا نعيش، نُلاحق سرابات ذات نهاية موصولة وهي "سذاجة مُدقعة"...


دائما ما تلتذع أرواحنا بما يكشفه لنا الوقت من حقائق،وقد يكون من الأسلم أن لا نزرع الثقة في أمر حتى ولو كانت ملامحه تبدي طيف الأمانٍ...


رائحة الموت تُنعش أوراق صباحاتنا المتخمة...

تتعاضل آلامنا فتبعث في النفس شعور بغيضاً يشعرنا بقسوة الاقدار على أعتاقنا، وكأن نصف كأس الدنيا الفارغ جُعل لنا ولا أحد غيرنا...


والكل في بحر همه يسبح...


هنا اليوم...

اكتب تراكمات أحدثتها مشاهدات متكررة لأحداث بائسة أسكنت القلب زمهريراً حلَّ ولم يَحِلْ..!  

 

فواجع الدنيا تتسابق لا تتمهل، تُكسب حياتنا هذه طابع الترقب لدَين البؤس...

أراه كل يوم، في مشفانا...

أقتبس من الغراب نذير شؤمه وأكسر بنات الدواهي على أعتاق البشر...

تنزف العين دمها، تتلحف السواعد أفئدتها، تُطرق الرؤوس منكسرةً، مناجيةً "لماذا أنا وليس أحدٍ غير أنا"...

 وأخرون مختلفون تماماً...!

رضوا بقضاء كاتب القدر، تستشف أرواحهم الخير رغم وجع حامله، إيمانهم قوي، وثباتهم في وجه المصائب جلد لا يتزحح رغم قسوتها...


حدث أن أعلنت في يومٍ قريب وفاة صبي لم يتجاوز الثامنة العشر،كان مريضاً واشتد مرضه حتى قُبِضت روحه،

 اتصلت على والده لأطلب مقابلته، وكلي حيرة كيف أخبره بأمر وفاة إبنه...

مضت نصف ساعة، الإبن مغطى بغِطاء أبيض يستره، والده الآن أمامي، لم أزد على شيء سوى أن ذكرته بربه وخير القضاء رغم انتفاء ظاهره...

وقف صامتاً ثم حمد الله وأحيا رضاه بالقضاء بأن قال "هو خير، هو خير له، ما يدريك يا دكتور؟"


لم أزد شيء، لم أضع يدي على كتفه ولم أواسيه...

لقد بعث إلي رسالة صامته، إنما أدركتها...

{

في النهاية...

أنت لست وحدك من تُقاسي، الكل في بحر همه يسبح...!

}

رحمه الله وزاد ثبات ذويه بمصابهم...

كونوا بخير...


هناك 8 تعليقات:

  1. الكل لا يسبح ، قد يغرق البعض !

    هذا الحديث مُمتلئ بوجوه حيارى ، بدمعٍ توارى ، بشيءٍ عميق !
    أشجارٌ قلقة ، تسقط أوراقها !
    وجذورها في أعماق الأرض تشيخ ..
    حان وقت الموت !

    الكل لا يسبح ، قد يغرق البعض من شدة تشبثهم بهذه الدنيا ..
    وقد يغرقون لفرط هموم اثقلت كاهلهم حتى غرقوا بها ..
    أحدهم لم يتعلم كيف يطفوا فغرق !

    الأكثر ذكاءً وفطنةً خلق من بحر همومهم فرصة انسته ما حلّ به ، غاص للأعماق جمع اللؤلؤ والصدف    
    و تاجر به فنَسي ..
    أحدهم غاص أعمق فضاق نفسه وغرق !


    نحن لم نغرق ، مازلنا نسبح . . والحمد لله :)
    الحمدلله أنَّ قلوبنا بين يدي الرحمن ، يرأف بحالها ويجبر كسرها ..

    ردحذف
    الردود
    1. لحديثك أصداء تسمع من بعبد يا خلود...
      تتخبطنا الحياة بأحداثها
      فتارة نسبح وتترة أخرى ننقلب على الاعقاب نغرق...

      لا سبيل للثبات فيها ويبدو ذلك سنة عرفت بها...

      الحق أقوله...تسعدني مشاركتك...له وزن واطلبها دوما ولو بالثمن =)

      حذف
  2. رائحة الموت تُصيبنا بغُصة لاتنحدر ،
    تُصيبنا بإعياء متهالك ،
    وربما أشياء صعبة الوصف !

    الرضى بالقضاء خيره وشره كفيل أن يشعرنا بالطمأنينة الربانية ،
    وكُل شيء من عند الرب خير ،
    ف الحمدلله على قضاءه دائماً وأبداً ،
    وأعانكم الله وسدد خطاكم ولا أراكم ماتكرهون ..

    ردحذف
    الردود
    1. غريبة لها مستودع هنا...

      للقضاء حكمة,.ربما تنتفي مع الظاهر,

      تبقى النفوس مرهونة تترنح بين رضاء وقنوط,

      أحب الله وأسأله حبه...وأسأله تهذيبا يعقد النفس في رضا لا قنوط بعده...

      اعننا الله جميعا على ذلك...

      اسعدني حقا وجودك...



      حذف
  3. ألي أن أحصل على حسابك في تويتر ؟

    ردحذف
  4. مرحباً بك...
    كان هناك واحد وقد أقفلت، وآثرت الاتجاه الى وحي الكتب وصفحاتي هذه، بعيدا عن هرج ومرج الأفكار هناك...
    كن بخير

    ردحذف
  5. الكلّ في بحر همّه يسبح
    والكلّ ينظر إلى البعيد علّ شواطئ آماله تتراءى له، فتخيب تلك الآمال في أحيانٍ كثيرة
    والكلّ ينسى مرافئ أمانٍ تحيط به من كلّ جانب! ولدَ وكبرَ بينها، كانَ يراها منذ البداية، حتى نسيَ أمر وجودها
    هكذا هي عيون البشر، ترى المفقود، ترى نصف الكأس الفارغ، ولا تلتفت لما وجد أسفله

    "الأجر"
    عزاؤنا الوحيد في مرارة الحياة الدنيا
    وسنقف وقفة يوماً لنرى فيها كل ألم قد صار ثواباً يُغبط عليه أهل البلاء
    فمن سيتذكر ويصبر

    من أكثر ما يحيّرني في مهنة الطبيب، كيف يواسي؟
    كيف له أن يصل إلى قلوب المرضى وذويهم ويربت عليها لتهدأ دون أن ييقظ آلامها
    بعضهم قد مات قلبه ولم يعد يفكر بالقلوب، وإن كان يداوي الأجساد التي تحملها بضمير حيّ
    والبعض الآخر، كيف عليه أن يهتم؟ وإلى أي مسافة يمكنه أن يقترب؟ بل كيف يقترب؟

    وسؤالي الأهم..
    ماذا يفعل من كان يحمل من هموم الآخرين حملاً ثقيلاً
    كلما رأى حكايةَ أسى في عيني أحدهم، عاشها بتفاصيلها معه.. حتماً سيموت مرةً بعد مرة إذا كان في المشفى.. أم أن إحساسه سيخبو كل مرة؟

    تطفل على الأدب كثيراً أرجوك، أراكَ قريباً منه، جداً، وبميلٍ بعض الشيء لبساطة الكلمة والتركيب، ستقترب أكثر وتتألق - في نظري

    أعتذر على الإطالة
    دمت بخير ووفقك الرحمن لكل خير

    ردحذف
    الردود
    1. "غير معرَّف"...أتوق حقاً إلى معرفتك!

      ومعذرة لك على تأخري في الرد...

      الأجر..
      هو عزاؤنا..
      ومرارةُ صوابٍ نكتسبها هو عزاءٌ أخر!

      الطب يا صاحبي لم يكن يوماً حلماً لي، قدتني الأقدار إليه من حيث لا أحتسب!
      يوماً كنت أحلف بالله العظيم وأسطر أيماناً مغلظة أحجب بها نفسي عنه..
      وفي الغد أنا أول الداخلين، بل ولا أجد نفسي في أي مكان غيره،
      أقدار الله، وخطته لنا، هو أعلم وأحكم، ونحن نجهل ثم نسخط برعونه..
      ولو كشف القدر لابن ادم لما اختارو الا ما اختاره الله..

      نواسي،
      لنا في المواسات طريقة، يسمونها علمية فتُتبع وتُدرَّس، وكأنما هي ليست ردة فعل طبيعية، تحمل الإنسان الشفوق عليها..

      نتحدث عن الموت كثيراً، أحدهم قضى نحبه، وآخر ينتظر..
      الأمر في بدايته مؤلم، يتلحفك المفقود من كل جانب، تتراءى لك صورهم، هم كانوا هنا البارحة، واليوم عليل آخر تكون البداية معه من جديد...
      تُبني الجدران، ونضع المسافات مخافة أن يتعدى هم المُصاب لنا..
      وهكذا تبدو القلوب كالاحجار لا تتأثر،
      حتى تكون حجراً فعلاً مع كثرة المساس!


      جراحة الاعصاب كانت أخر مكان عملت به...
      المرضى كُثر، هم في متقبل عمر شباباً..
      عشرة بل يزيدون في جناح واحد..
      على الفراش لا ينتظرون شيء..
      هادم الأحلام قد أتى وأعلن ذبولاً لا نهوض بعده..

      إحدى مريضاتي كانت في الثلاثين شابة، ممددة على السرير لا تتحرك، نصف دماغها الأمامي قد أُخذ عدواناً وجوراً من زوجٍ سليط، أزاله "بساطور"..

      وآخر في مقتبل العشرينيات، حادث سيرٍ أخذ أطرافه الاربعه وجذعه..
      يقول الطبيب الاستشاري: "الموت ليس أسوء شيء نقوم بكسر خبره على المرضى وذويهم"
      هو محق!

      تعددت الحالات،
      مؤلمٌ حقاً، يبعث في نفسي شعور الضعف والهوان، وكأن سنواتي السبع العجاف كانت لـِ لا شيء..

      ومع هذا وذاك، وكل هذه المشاعر السلبية المتراكمة، إلا أن الكفة الاخرى تتزن بل وتطيش بنقيضتها تماماً عندما تسمع دعوة مريض أسكنت له ألماً أو رويت روحه بحسن الاخبار تستبشر له..

      الطب يا صاحبي له وجهان، في كل يوم أنت في شأن، تكون أصاحب اليمين تارة، وأصحاب الشمال تارة أخرى..!


      الأدب،،
      لي معه قصة،
      يطفر ويخبو فجأة،
      لا أعلم له سبيل ثبات،
      ويبقى شغفاً أحكم نفسي به،


      شكراً على ما كتبت، أسعدني والله..
      كن بخير.

      عاوِّد هنا دائماً..

      حذف