مرحباً مرة أخرى،،،
مضى وقتٌ طويل مذ كنت هنا،
الحقيقة أن هذه الصفحات لم تغِب عن ذهني أبداً، فهي لي دوماً رئةٌ ثالثةٌ تتنفس روحي منها عندما يفيض في القلب ضجيجه..!
أحب هذه المدونة، وحقاً أحب كل من يقرأ حرفي فيها، بالرغم من أن الروابط بيننا تنتفي إلا من هذه الحروف..!
أُدرك جيداً أني انقطعت عن هاهنا انقطاع غريب، فمن يقرأ رسالتي السابقة "أول مذكرة" يجد أنها بداية استرسال لفَرْطِ عِقَدٍ لرسائلَ قادمة، إلا أنها لم تكن..!
والحقيقة أني كنت مسيراً في هذا الانقطاع لست بمُخيَّر، فقد كتب الله لي في ايامي المعدودة السابقة الزواج من فتاة أحبها وأدعو الله دوماً أن تكون لي قرةَ عينٍ تُضيء فلى دربي كلما اشتدت ظلمة الايام..!
ما أريد كتابته هنا مختلف جداً عما كنت قد كتبت في السابق وأي سابق،
وهي رسالتي الأولى التي أرجوك فيها يا من حلَّ هنا وطاب وجوده أن تقرأها بتمعُّن، و والله أني أحسب ما بها من الفائدةِ ما يزيل من شعث الحياة وسقمها الشيء الكثير.
ما اريد أن اكتبه هنا هو أعظم مذكرة أعتقد أني سوف أكتبها، فما وجدته من يقينٍ أرغب في تعبيره في هذه الرسالة ليس بالأمر اليسر ولا الهين أبداً...
والحمدلله على كل حال..
أبدأ هنا...
من أنا، ومن أكون؟
سؤالان أرهما وجهان في صفٍ واحد، وبالرغم من بغضي الشديد لـ الـ"أنا" إلا أن الفاتحة أبت إلا أن تكون بها، وهذا حقُ الاستطرادِ علي والكتابة دون ارتجاع..!
أنا إنسيٌّ وجد نفسه تَعْسِفُ بها مراهقةٌ طائشة، كدرت زهرة سنواتي الأولى برمادٍ لا يشتعل،
وفي غفلة أستغربها انا كلما رجعت إلى الوراء وجدتني تسوقني الأقدار إلى دراسة طب الابدان بعد أن كانت أبعد ما أكون عنما أنا كَائن عليه الآن.
مضت سنواتي السبع، وليس يجدر بي ذكر ما بها هنا فقد كتبت عنها رسالة منفصلة تجدها في فهرس هذه الصفحات.
مضت سنواتي السبع، سمانٍ وأخرى عجاف قد أكلنَّ من قدمت لهن إلا قليلاً من حقيقةٍ وجدتها بعد تجرع مرارتها..!
حتى إذا انتهت سنة تدريب الأمتياز وبقي لي أمر الاختصاص وكيف يكون استكمالي لما بدأت به، وجدتني أسير مرة أخرى في جهل مُعتم لا أعرف أي طريق أسلك..
هو مفترقٌ يقود إلى عشرات الطرق المختلفة، تتعاكس في وجهتها لا تتماشى مع بعضها، ووجب عليَّ الأختيار من بينها...
اختصاص طب الباطنة، اختصاص طب الاطفال، اختصاص طب الطواريء، اختصاص الجراحة العامة، اختصاص الجراحة التجميلية، اختصاص طب العيون اختصاص طب الانف والاذن والحنجرة، اختصاص امراض الجلدية، اختصاص طب الأشعة، اختصاص جراحة العظام وغيرها القليل..
هي طرق مختلفة يستلزم على كل مُتخرجٍ من كلية الطب سلوك أحدها أو البقاء على ما يعرف مسماه بـ "طبيبٍ عام"
وبطبيعة الحال تختلف المنافسة من تخصص لأخر، فبعضها يصل المتقدمون فيه إلى اكثر من مئة ولا يقبل إلا ربعهم القليل، والبعض الأخر لا يتهاونون عن قبول كل متقدمٍ له.
وقع اختياري على اختصاص جراحة العظام والذي تعد المنافسة فيه أمراً لا بد منه..
كان المتقدمون آن ذاك 70 متقدم، يُقبل منهم 19 فقط على مستوى الرياض..
خضنا جميعاً اختبارات القبول، ومن ثم دخلونا للمقابلة الشخصية، إلى أن انقضى اسبوع من تلك المقابلة فأُعلنت نتائج القبول.
في بادئ الأمر بشروني بالقبول، قبولٌ لم يلبث ساعةً حتى يلغى عبثاً ويُضاف أسمي لسلة الانتظار.
مضت ستة اشهر، أتجرع مرارة الصبر، أبحث عن القبول ولا أجده، حتى إذا تدرَّكتُ في الهوان والقنوط وجدتني احاول محاولة الغريق في التمسك بعُرى التواكل على الله وخير ما كتب.
وكلما زادت الخيبات، اتجهت إلى دعائين ألا وهما "حسبنا الله، سيؤتينا الله من فضله، إنا إلا ربنا راغبون" و "لا إله إلا أنت إني كنت من الظالمين".
مضت ايام ستة الأشهر تلك ببطء شديد، وكأنَّ الساعات هي الايام، والايام أكثر منها بكثير.
مضت ولم يُضف اسمي لقائمة المقبولين، أيقنت بخير ما كتب الله، ولعلَّهُ خير.
بعد ان بدأ برنامج الاختصاص، وشرع المقبولين في العمل،
وإذا باتصال يصل إلى هاتفي يبشرني فيه بإضافة اسمي لقائمة المقبولين، في الوقت الذي يكون فيه المستحيل أقرب من هذا القبول،
أخبروني بانسحاب أحد المقبولين بعد بداية البرنامج بيوم واحد، وقد عُقد اجتماع لمناقشة حالتي وتم قبولها.
حمدت الله، وشكرته، واشكره الآن وأحمده،
ثم بدأت باسترجاع ما كان في ست الأشهر الأولى...
حيث أنها لم تكن سوى اختبار للتواكل والتسليم،
ثم وبعد أن انتهى كل شيء، تفلَّق الفرج من ثنايا المستحيل وحقاً أعني المستحيل...
الكتابة هنا واهية،
النفس جذلا ولكنَّ الأحرف خائنة، فما وجدته أعظم من أن يُخط بزبد البحر ويكفيَّه.
في النهاية...
لنحسن الظن بالله، فربنا عند حسن ظننا به فلنظن به الحسن والخير.