يسألوني الكثير عن الطب, وماذا سوف يكون تخصصي في المسقبل.
دائماً ما يكون جوابي هو جراحة الأعصاب أو ما يخصها.
عندها يستوقفني الكثير منهم, لماذا هذا التخصص بالذات, فأغلب حالته المرضية ميؤوس منها, أو لا تملك الكثير لتتحسنه!
ناهيك عن صعوبته وحساسيته, وطول الدراسة الذي يزيد عن أقرانه من التخصصات.
وأنا لا أنكر ذلك أبداً, بل كل افكارهم عنه صحيحه.
إلا أن ما يدفعني للخوض في غمار هذا التخصص شيء أخر أنشاء دوافعه لدي.
---------------------
مصادفة دخلت على إحدى المدونات, وكان صابحها الدكتور محمد الحصيف, بصراحة لا اعرف هذا الكاتب ولا اعلم توجهاته, إلا أني قرأت تدوينةً أثارت إستيائي قليلاً, وكنت أريد التعليق على هذه التدوينة بتعليق يشوبه حده.
قبل أن أبدأ في كتابة التعليق, آثرت التعرف على هذا الشخص أكثر, فذهبت إلى محرك البحث وكتبت إسمه, بالفعل ظهر اسمه ووجدت أيضاً ضمن الاسماء المقترحة إسم هديل محمد الحصيف.
إخترت هذا الإقتراح فضولاً ولقافة لا أكثر.
ظهرت نتيجة البحث, وكان أكثر ما عرض هو عزاء ورثاء لموت هذه الفتاة!
إزداد فضولي أكثر فأكثر ففتحت أحد المواقع, وكان قد وضع موضوعاً كبيراً عنها.
يحكي قصة بدايتها في التدوين والكتابة وكيف أنها ألفت قصة أو عدة قصص لا اعلم, ثم في النهاية وضع تاريخ ولادتها والذي كان في عام 1983 ثم تاريخ وفاتها في عام 2008 اي كان عمرها 26 سنة.
بحثت عن سبب الوفاة وكانت غيبوبة لم يُعرف سببها, والتي إنتهت بإعلان الموت الدماغي.
كان والدها يكتب عن فساد المستشفيات, وعن عدم قبول ابنته في المستشفيات الحكومية بحجة عدم توفر سرير.
وبعد واصطات وواصطات تم إختراع سرير من لا شيء بعد 10 ايام لإستقبالها!
أثار الأمر فضولي أكثر, فأطلت البحث عن شيء يخص كتاباتها, وبعد طول بحث وجدت مدونتها, غرفة خلفية كان اسمها.
-------------------------------
في الحقيقة ليس الامرها يهم كثيراً هنا, فإن صاحب وفاتها ضجة إعلامية على جميع المستويات, وذلك لإضطلاعها في المجال الإعلامي كما هو حال ابيها, إلا أن هناك العديد العديد من الحالات المشابة بل وتزيد عليها بدرجات لم تجد تلك الضجة والصخب.
لست أهون أمرها, إلا أنه لم يتوقف عليها فما خفي الأعظم.
الواصطة أو كما يدعونها "فيتامين واو" أو جواز السفر, أو الصفر الدولي...ألخ من المسميات التي تصف شيء واحد.
فساد ينخر أضلاع مجتمعنا, ليس مجتمعنا فحسب بل هي المجتمعات العربية أجمع وإن إختلف عمق النخر!
لم أكن أتخيل ان للواصطة سلطة في أمور الطب والصحة, تلك التي تتوقف عليها حياة الإنسان, إلى أن عشت ذلك موقف الذي غير نظرتي المغشوشة إلى أخرى لا ترى سوى العفن في أفكار وتصرفات الكثيرين ممن إمتلكوا السلطة!
حدث الأمر قبل 3 سنوات, عندما كنت في سنتي الثالثة في الطب,
كان الوقت منتصف السنة, والجميع منشغل بهم الإختبارات.
أذكر أنه كان يوم الإربعاء, وفي الضهر سوف يكون إختبار مادة علم المناعة.
إعتدتُ على الإستيقاظ في الفجر لأبدأ المذاكرة.
كنت أجلس في غرفتي على الأرض وأبدأ بعبثٍ لا ينتهي بالأوراق والكتب,
كان علم المناعة من أغث المواد على قلبي, لم ولن اهضمها ابداً,
الساعة العاشرة الآن,
دخل أخي عبدالله علي وسألني إن كنت ارغب بأكل شيء قبل أن أذهب إلى الإختبار, فأجبت بنعم.
كنت حينها أتقطع جوعاً لذا كان سؤاله على الجرح,
إنتظرت ساعةً تقريباً ولم يأتي بأي شيء, لم استطع الصبر أكثر فخرجت ابحث عن شيء أكله,
عندما خرجت من غرفتي وجدته جالساً على الكرسي يُلاعب أختي الصغيرة, عندها تملكني شيء من السخط عليه فعاتبته,
وكانت ردة فعله غريبة بعض الشيء,
قال لي"لم تطلب مني شيء ولم ادخل إلى غرفتك أصلاً"
زاد غضبي أكثر, فشددت عليه في العتاب,
لم أكن أعلم ما يشعر به المسكين, شددت عليه ضناً أنه يتلاعب بي, وهذا ما كان يبكيني طوال الليل بعد أن عرفت سبب إنكاره.
دخلت لغرفتي غضباناً, وبدأت أجهز نفسي للذهاب إلى الإختبار,
حان موعد ذهابي للجامعة, شعرت عندها بتأنيب الضمير, فأنا لم اعتد على عتابه,
ومن باب الإستسماح منه, أخرجت مطوية عن لاعب كرة قدم معروف يُحبه وأعطيتها إياه,
أخذها وبدأ يفتحها من الجهة المعاكسة, أي جهة ثني الورق لا طرفها, إستغربت فعله فسألته ماذا به؟؟
هل هناك خطب ما؟
أجاب بالنفي والإبتسام.
عندها جمعت ما أحتاجه وخرجت من المنزل.
دخلت للإختبار ولا أخفيكم كان صعباً جداً, إلا أنه لم يكن يهمني كثيراً فكما يقولون تلك المادة كبش فداء.
فحطت ما كُتب لي من تفحيط ثم خرجت مسرعاً إلى سيارتي,
كنت قد إعتدت على مكالمة أمي عند خروجي من المستشفى, أسالها إن كانت تريد شيء ما وأتحدث قليلاً معاها إلى أن تغلق الخط في وجهي.
إتصلت بها وكانت نبرتها مختلفة, سألتها إن كان هناك شيء ما حدث,
اجابتني بأن أخي عبدالله في أحد المستشفيات الخاصة, سألتها إذا الأمر خطير, حاولت طمأنتي وأخبرتني أن الأمر هين, سألتها إن كانت تريد حضوري فأجابت بنعم.
أغلقت السماعة وبدأ الخوف يدب في قلبي, قلبي ينبظ بشدة وأنفاسي تسارعت وغرقت عيني بالدموع, أعلم أن الأمر ليس هين, لقد طلبت أمي مني حضوري إلى المستشفى لشيء ما...
وصلت للمستشفى وتوجهت مباشرة إلى الطواريء,
والله لقد عرفت ماذا يعنون بـ "أم الركب,"
أخذت ركبتاي تصفقان ببعضها من شدة الخوف, دخلت إلى الطواريء وتوجهت إلى سريرٍ إحتظن أخي عبدالله في العناية المركزة.
كان شعور غريب, لم اشعر به ابداً في حياتي,
شعور بقرب الفقد, شعور بإنخلاع قلبك من مكانه دون أن تملك شيء,
امسكت يده, شددت عليها بقوه, إلى ان ضعفه غلب قوتي وأخذت اصابعه تنفسخ عن تشابكها باصابعي.
لم يكن يتحدث, لم يكن يتجاوب إلا لشيء واحد, صوتي انا,
عندما كنت أناديه عبدالله يجاوبني "نعم ابي" ثم يسكت.
إستجمعت قواي وأيقنت ان هذا أحد المواقف التي يتوجب علي الثبات فيها, توجهت إلى ابي وأخبرته أن هذا المستشفى لن يملك شيء, بل أن رعايتهم اسواء بكثير,
اجابني ابي بأنه هنا منذ 3 ساعات ولم يعملوا له اي شيء سوى اشعة مقطعية, تلفت ابحث عن الدكتور, وأحمد ربي انني لم أجده وإلا كان قتل وقتها..
طلبت من أبي أن ينقل أخي بسيارته إلى مستشفى الحرس الوطني والذي كان اقرب المستشفيات الحكومية, وأخبرته أنني سوف أسبقه كي أشرح حالة اخي المرضية للأطباء.
ركبت سيارتي وتوجهت إلى ذلك المستشفى العفن,,
دخلت للطواريء وتحدثت إلى الطبيب المشرف عليها,
أثناء حديثي إستوقفني وأبدى رفضه من قبول اخي في المستشفى.
أخبرته ان أخي بين الحياة والموت, إلا انه أصر على رفضه.
وصل اخي إلا الطواريء وهو في غيبوبة كاملة, إلا ان المستشفى رفض قبوله كمريض, توسلت إلى الطبيب كي يدخله إلا أنه رفض.
عيناي تشهد فقدان اخي ولا أملك شيء له.
ظل في السيارة ما يقارب النصف ساعة,
خلالها ذهبت أمي إلى مدير المسشتفى وتوسلت إليه وهي تبكي كي يُدخلوه, ذهبت إلى الطبيب وقبلت راسه كي يُدخول أخي.
لم يُقبل إلى أن جاءت الواصطة من أحد معارفنا ودخل إلى الطواريء والتي حولت أخي مباشرةً إلى العناية المركزة حيث مكث فيها شهراً ونصف!
أصيب اخي بأحد أندر الأمراض المناعية العصبية المميتة,
كانت هجمة مناعية إستهدفت المداغ والحبل الشوكي.
لا علاج لها سوى جرعات عالية من الكرتزون والذي بدوره يطيح بالمناعه <<<هذه أحد وضائف الكرتزون أبرار
بعد 9 أشهر قضاها أخي في المستشفى, خرج منه بتحس شبه كامل.
كانت من أقسى التجارب التي عايشتها,
----------------------------------------
لا اعلم كيف يعيش هاؤلاء الذين قيل عنهم "ملائكة الرحمة" دون تأنيب ضمير يأرقهم!
بل هم اشباه بشر تجردت من مشاعرها الفطرية,
أليس هناك نظام يتكفل بحق المريض هنا!
إليست الصحة للجميع!
أم هي شعارات لا تغني ولا تسمن من جوع!
ماذا يفعل الفقير العاجز عن دفع تكاليفه الصحية؟؟!
يبدو أنه لا يزال للطبيقة جذور!
أعلم أن الأمر لم يتوقف على الجانب الطبي فحسب, إلا انني أعتقد أن الجهاز الطبي هو أهم جهاز والذي لا يقبل المساومة فيه, فهي حياة !!
واخيراً...
سحقاً لهم جميعاً.
----------------------------------------
قد لا أملك الكثير الآن...
إلا انني أرجو من أي شخص يحتاج إلى ملف طبي في مستشفى الملك خالد الجامعي مراسلتي, بإذن الله لن أخيب ضنه.
على ضعف ما أملكه الآن, إلا أن هناك تغيير سوف أحققه بإذن الله حتى ولو بعد حين.
كونوا بخير...